لم يكن بها أي إعاقة قبل تفكيرها
في مشروع يخدم المكفوفين في مصر، حتى أن دراستها لم تكن لها علاقة بذلك ـ من قريب أو
من بعيد، فهي حاصلة على درجة الدكتوراة في ترميم وصيانة الآثار، وعملت في التدريس
سنوات طويلة، إلا أن الفكرة بدأت تلمع في بالها، بسبب شغفها بالطهي، وذلك بعد أن أسست
هي وشقيقتها مدونة لوصفات الطبخ المختلفة وأطلقا عليها اسم "جوا الحلة"،
لتقرر إيمان الحسيني، بعد مرور 6 أشهر على إطلاق المدونة، أن يصبح الموضوع أكبر من
ذلك، وأن هناك فئة لا تعلم شيئًا عن هذا العالم الذي تتقنه وتبدع فيه وهو الطبخ،
ومن أجلهم، جاءتها فكرة تعليم الطهي لفاقدي البصر، فكان مشروع أول تطبيق إلكتروني
لهم "جوا الحلة"، الذي تحكي لنا عنه في Food
Today وكيف كرمتها
وزارة الإتصالات عليه.
من كتاب على طريقة برايل إلى تطبيق
يرى النور
بالتأكيد الفكرة لم تكن سهلة في
بدايتها، فقد كانت صاحبة السبق أيضًا في أن تكون صاحبة أول كتاب على طريقة برايل
لتعليم المكفوفين مهارت الطهي، أما عن كيف فكرت في تطبيق يحقق الهدف نفسه، تقول
إيمان: "لكي يرى التطبيق النور، كان لابد وأن أستعين بأشخاص متخصصين في مجال
التطبيقات الإلكترونية، لكي يصمم التطبيق الذي أستطيع من خلاله المشاركة في
مسابقات تمكني من لمس ردود الأفعال على أرض الواقع، وما إذا كانت قابلة للتنفيذ أو لا، وهو ما حدث بالفعل، حين قدمت في مسابقة الهيئة
الوطنية لتكنولوجيا الأشخاص ذوي الإعاقة
التابعة لوزارة الاتصالات وقٌوبل مشروعي بالترحاب".
4 أشهر تدريبات مكثفة
وتكمل إيمان كلامها: "لما
دخلت حاضنة الأعمال في الوزارة حصلت على الدعم الفني الذي كان عبارة عن تدربيات
مكثفة لمدة 4 أشهر، كل محاضرة لا تقل عن 4 ساعات، من جهات متخصصة لنتكمن من تطبيق مشروعنا بشكل فعّال، ولكي نتمكن
وغيري من أن نصبح رائدات أعمال ناجحات بشكل عام.
عائد مادي يزيد النجاح نجاح
وكانت إيمان تفكر في أن يصل
"الأبلكيشن" لكل ذوي الهمم من فاقدي البصر، وأن يتعلموا كيف يعتمدوا على
أنفسهم في الطبخ، ولكن في الوقت نفسه تتمنى أن تتربح منه وأن يحقق لها العائد
المادي الذي يبهرن لها على نجاح مشروعها عمليًا، إلى جانب هدفه الإنساني، لكي
يستمر التطبيق فترات أطول وتُدار الأرباح على تطويره إلى الأفضل.
كيف وصلت بالتطبيق إلى تكريم
الوزارة؟
تقول إيمان عن تكريم وزير الاتصالات الدكتور عمرو طلعت: "أثناء تلقي محاضرات الدعم الفني من الوزارة، كانت هناك تصفية
نهائية للمشاريع المشاركة التي تخدم المعاقين، وفي كل تصفية كان مشروعنا يصل إلى قوائم
الأعلى والأكثر أهمية، وقتها كان لابد أن أقدم آخر صورة من التطبيق، التي يمكن
للمكفوفين التعامل معها فورًا، ونجحنا في آخر تصفيات، لنحصل على دعم مادي أكبر من
الوزارة، كان عبارة عن مبلغ مالي 180 ألف جنيه يُشترط إنفاقها بالكامل على التطبيق
وتطويره".
أول مرة مطبخ للمكفوفين
نجاح المشروع لإيمان كان في جهة، وسعادة
المكفوفين بالتطبيق والتجربة عليه كان في جهة أخرى لديها أهم وأبقى، فكانت في غاية
سعادتها لرد فعلهم وتواصلهم معه بسهولة، تحكي عن ذلك وتقول: "سعادتهم بالتطبيق
كانت لأكثر من سبب، أولها أننا شعرنا بهم وباحتياجاتهم، وأننا تخطينا مراحل
التجربة أو البدايات، ونفذنا الفكرة بشكل فعال بالنسبة لحياتهم اليومية، بالشكل
الذي يجعلهم لا يلجأون فيه إلى أحد ويعتمدون للمرة الأولى على أنفسهم".
لغة خاصة بالمكفوفين
واستغنت إيمان في التطبيق عن الطرق
التقليدية في وصف الأطباق، فجنبت على سبيل المثال حاسة البصر، وتعريف الأصناف بأشكالها،
واستبدلتها بحواس اللمس والشم والسمع والتذوق، فلى سبيل المثال تستخدم كلمة "صوت فقاقيع الماء" بدلًا عن غليانها"، ومع جهدها المبذول في التطبيق ليرى النور، تتمنى إيمان أن تُدرج فيه
لغات أخرى بعد العربية، كأن يصبح بعد فترة باللغة الإنجليزية على الأقل.
55 وصفة على التطبيق
قدمت إيمان على التطبيق حوالي 55 وصفة من
الأكلات المعروفة لكي يبدأ المكفوفين في التواصل معها وتعلمها مبدأيا، وعليه 4
كورسات تعلم للحلويات الشرقية ووصفات لحلويات عيد الفطر من كحك وبيتفور وغريبة
وغيرها من المخبوزات، لكن الأهم من الوصفات، أنها تعمدت أن تختار عليه الأسهل الذي
يمكن تنفيذه بسهولة ويمكن حفظه أيام في الثلاجة، كصينية بطاطس باللحم على سبيل
المثال، أو كفتة داوود باشا بالأرز، وأنواع المكرونات السهلة.
عوامل السلامة والأمان
لم تنس إيمان أن تراعي أنها ستكون المرة
الأولى التي يدخل فيها المكفوفين المطبخ، فوضعت لهم فور دخول الأبلكشين نصائح
صوتية لعوامل السلامة والأمان عند دخول المطبخ واستخدام البوتاجازات والأفران،
والتعامل مع النار بشكل عام، وآلات الطبخ كذلك كالسكاكين، ومن بين تلك النصائح
"عند دخول المطبخ للمرة الأولى يجب أن يكون ذلك في وجود أحد الأشخاص المبصرين،
وعدم ارتداء ملابس ذات أكمام فضفاضة لكي لا تمس النار، وكذلك عدم تواجد أي حيوان
أليف أثناء الطبخ لكي لا يحدث أي ارتباك".
حلم أول مطعم للمكفوفين
كانت إيمان
صاحبة أول كتاب بطريقة برايل يعلم المكفوفين الطبخ، وكذلك صارت أول رائدة أعمال
تقدم تطبيق لهم يعلمهم فنون الطهي بالصوت، وتتمنى استكمال أحلامها بأن تصبح أيضًا صاحبة
أول مطعم تقدم فيه الوجبات المصنوعة بأياد شيفات من المكفوفين، والاعتماد على قائمة
طعام مكتوبة بلغة برايل حتى يحدث دمج بين المبصرين والمكفوفين في هذا المطعم.