الطعام ليس مجرد غذاء ضروري للحياة ولكنه جزء من الهوية وموروث ثقافي لكل مجتمع، ودليل على نمط الحياة الذي تعيشه الشعوب، إذ يكشف جوانب عديدة منها.
الكاتبة رانيا هلال صاحبة ورشة "طعم الكلام" تؤكد لـFood Today أن الطبخ فعل ثقافي واجتماعي ونفسي وأدبي مشيرة إلى أننا كشرقيين لدينا علاقة سامية تربطنا بالطعام أفضل من الأوروبيين لأن علاقتنا به عاطفية، وإلى نص الحوار.
طعم الكلام

فى الإنترنت الكثير من الكتابات حول وصفات الطعام والقليل حول تاريخها، فمن الطبيعي أن نجد طريقة عمل أحد الوصفات لكن نادرًا ما نجد أحدهم يؤرخ تاريخها وكيف نكتب عنها من منظور نفسي واجتماعي وثقافي، ولذا فكرت الكاتبة رانيا هلال في إطلاق ورشة "طعم الكلام".
وعن سبب إقامتها للورشة قالت: "أنا شخص أحب الأنثربولوجي والأكل والطبخ والكتابة وأحب كل ما له علاقة بالموروث والمعتقدات والعادات، وكنت أمارس طوال عمري كل هذه الأشياء بمفردها".
وكثيرا ما نصحها الأصدقاء أن تطلق برنامجها للطهي، لكنها شعرت أنه غير مناسب لها فهي مخلصة للكتابة ودراستها للتاريخ والحضارات، وعند قرائتها لتاريخ شعوب شرق آسيا (الهند، الصين، اليابان) اكتشفت كتاباتهم حول "أدب الطعام" ووجدت أننا في مصر نفتقر إلى هذا النوع من الأدب كما أننا نخلط بين أدب الطعام والطبخ ولدينا تهميش وتسطيح فعل الطبخ والذي نعتبره فقط لملء المعدة، مضيفة أن الأكل يحمل من طاقة الشخص للأكلة كما أنه جزء من العلاج النفسي بالأخص الطعام المليء بالألوان مثل السلطة.
الأكل كعلاج نفسي

تعتبر الكاتبة رانيا هلال أن الأكل ناقل للثقافة ومؤشر للحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب كما أنه مؤشر للحالة النفسية، فممارسات الأكل من عنف (تقطيع السلطة والخضار) لها دلالات، وممكن للشخص أن يفرغ حالة نفسية سيئة إذا مارس هذه الممارسات.
كل هذه الأسباب جعلت رانيا تأخذ قرارًا بنقل التجربة بشكل ممنهج وعلمي وأكاديمي إلى الآخرين عبر ورشة "طعم الكلام" وتأسيس فكرة أن الطعام فعل ثقافي واجتماعي ونفسي وأدبي، خاصة ونحن كشرقيين لدينا علاقة سامية تربطنا بالطعام أفضل من الأوروبيين لأن علاقتنا بالأكل عاطفية، قائلة: "إحنا بنفرح بناكل، بنزعل بناكل، بنحب بناكل، بنحتفل بناكل، في السبوع في أعياد الميلاد، في الجنازات، في الأفراح، كل مقابلاتنا مع الأصدقاء فيها أكل، لأنه ارتبط معنا إنه فعل حميمي".
من خلال ورشة "طعم الكلام" ينقل المشاركون أحاسيسهم ومشاعرهم ناحية الطعام والطبخ وذكرياتهم من خلال الكتابة بأي نوع من أنواعها مثل الزجل أو الكتابة السردية أو القصة أو الشعر وغيرها.
وتشير هلال: "من هنا فكرت أن أصهر كل كتاباتي وتجربتي في بوتقة واحدة ويدرس في ورش لها علاقة بأدب الطعام وممارسات فعل الأكل على كل مستوياته، في الورشة ندرس فعل الطعام في السينما في الدراما ممكن الأدب والمقالات والكتابات العلمية والفن التشكيلي، على مدار العامين الماضيين رصدت وتابعت وقرأت عن كل ذلك وأسست به منهج ورشة (طعم الكلام)".
كيف نكتب عن الطعام بحب

ترتبط العديد من الأكلات مع المصريين بذكريات خاصة من طفولتهم، لذلك إذا ذكرت بعض الأكلات مثل المحشي سنجد ذكريات مليئة بالحب، وعن توظيف ذلك في الكتابة تقول الكاتبة ومؤسسة ورشة "طعم الكلام": "لو شغلنا الحواس بتاعتنا أثناء الأكل وقررنا نكتشف ونضبط كل حاجة في الأكلة من لون وطعم وريحة وملمس ونقلنا ده من وقت الأكل لباقي اليوم سنشغل الحواس بشكل إضافي وستنشط فستلتقط الفرق بسرعة".
وبالنسبة للتعبير عن الأكل قالت: "الأكل هو فكرة مرتبطة فقط بالمطبخ، ممكن ناكل في أماكن مختلفة غير المطبخ، ونتفرج على ألوان الأكل اللي بناكله، ونبص على الأكل من أول كونه بذرة، في ناس بتزرع نعناع أو ريحان، ونبدأ نعبر كتابيا عن شعورنا ناحية كل ده وما نراه بأعيننا". مضيفة: "كل ذلك لا يغني عن فكرة القراءة والكتابة عن الطعام حتى تتكون لدى من يريد أن يمارس فعل الكتابة عن الطعام بعض المفردات وحصيلة جيدة منها".
الأكلات التي ترتبط بالحميمية

هناك بعض الأكلات التي يمثل التعبير عنها فعل مبهج في حد ذاته، وترتبط مع الناس بالحميمية، وعن ذلك قالت الكاتبة رانيا هلال إن هناك العديد من الأكلات مثل البطاطس المحمرة والكفتة المحمرة والمحشي والكعك والبسكويت مرتبطة بأحداث وذكريات معنا لأن الجزء العاطفي لدينا أكبر جزء ويعمل عند ذكر الأكل وغالبا لها علاقة بالطفولة، وكذلك المكرونة لأنها من الأكلات السهلة التي خلاف عليها ويمكن أن يأكلها كل شخص بطريقته.
أدب الطعام
تفتقر مصر إلى وجود أدب وكتابات حول الطعام، لكنه بحسب الكاتبة رانيا هلال قد ظهر على استحياء في السنوات الأخيرة حتى أصبح الآن مثل التريند، مضيفة أن هناك كتب معرض الكتاب الأخير مصنفة على أنها أدب طعام لكن لا يمكن تصنيفها كذلك.
وقالت إن هناك كتابات صدرت من عدة سنوات جيدة في أدب الطعام مثل كتاب "طبيخ الوحدة" للكاتبة أمنية طلعت و"طعام القبطي" للكاتب شارل عقل وبالطبع كتابات القدماء خاصة المستشرقين لا يعتبر أدب طعام لكنه يؤرخ ويرصد ممارسات الطعام للشعوب.
واعتبرت أن توثيق الكتابة عن الطعام مهم للشعوب لأنه يؤرخ للحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعوب، لأننا نجد أناس يدعون أن بعض الأكلات هي من تاريخهم مثل الاحتلال الذي يدعي أن بعض الأكلات الفلسطينية جزء من ثقافته، حتى يصبح له تاريخ في المطبخ لأنه يعلم أن ذلك ترسيخ لهوية ليست حقيقية.