السعرات الحرارية مقابل الدهون.. كيف تختار بين الحليب الكامل والخالي من الدسم؟

A A A
حليب كامل الدسم وخالي الدسم
في عالم الصحة والتغذية، لا يزال الجدل حول الحليب كامل الدسم والخالي من الدسم محورًا للنقاش الذي لا ينتهي. فلطالما كان الاعتقاد السائد هو أن الحليب كامل الدسم يُعد خيارًا غير صحي بسبب محتواه من الدهون المشبعة، التي ارتبطت تقليديًا بزيادة مستويات الكوليسترول الضار وارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب. وعلى النقيض، تم الترويج للحليب الخالي من الدسم باعتباره الخيار الأمثل لمن يسعون للحفاظ على وزن صحي وقلب سليم. ولكن، هل هذا الاعتقاد صحيح تمامًا؟ أم أن هناك حقيقة أكثر تعقيدًا تتكشف مع الأبحاث الحديثة؟
إن أحدث الدراسات العلمية تشير إلى أن الصورة ليست بالبساطة التي تبدو عليها، وأن الحليب بجميع أنواعه قد لا يكون له نفس التأثير السلبي على صحة القلب الذي كانت تُنسب إليه سابقًا. هذا التحول في الرؤية العلمية يفرض علينا إعادة التفكير في خياراتنا اليومية.

الفرق الجوهري: ليس في القيمة الغذائية
للوهلة الأولى، يبدو الفرق واضحًا. يحتوي كوب واحد من الحليب الكامل الدسم على حوالي 5 غرامات من الدهون المشبعة و149 سعرة حرارية. في المقابل، يحتوي كوب الحليب الخالي من الدسم على 91 سعرة حرارية فقط، ولا يحتوي على دهون مشبعة تقريبًا. هذه الأرقام تُبرر التوصيات التقليدية لمن يرغبون في خفض السعرات الحرارية أو الدهون في نظامهم الغذائي.
لكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أن النوعين يقدمان نفس الفوائد الغذائية الأساسية. فكلاهما يحتوي على 8 غرامات من البروتين، وحوالي 300 ملغ من الكالسيوم، بالإضافة إلى فيتامينات أساسية مثل فيتامين B12 والبوتاسيوم. هذا يعني أن الفرق الرئيسي يكمن في كمية السعرات الحرارية والدهون، وليس في القيمة الغذائية الأساسية التي يحصل عليها الجسم من البروتين والمعادن.

دهون الألبان: هل هي مختلفة؟

ما يثير الجدل حقًا هو طبيعة الدهون المشبعة في الألبان. يوضح الخبراء أن الدهون المشبعة في منتجات الألبان تختلف في تركيبتها عن تلك الموجودة في اللحوم المصنعة أو الوجبات السريعة. فدهون الألبان تحتوي على أحماض دهنية قصيرة ومتوسطة السلسلة، والتي قد لا ترتبط بقوة بمشاكل القلب بنفس الطريقة التي تفعلها الدهون المتحولة أو الدهون المشبعة من مصادر أخرى.
لهذا السبب، يرى بعض الباحثين أن الحليب الكامل الدسم، عند استهلاكه باعتدال، قد لا يشكل الخطر الذي كان يُعتقد سابقًا، بل قد يقدم فوائد إضافية. فعلى سبيل المثال، تساعد الدهون الموجودة في الحليب الكامل على امتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون، مثل فيتامين (A) و(D)، وهما ضروريان لصحة العظام والبصر. كما أن الإحساس بالشبع الذي يوفره الحليب كامل الدسم يمكن أن يساعد على تقليل الرغبة في تناول الوجبات الخفيفة غير الصحية.

كيف تختار ما يناسبك؟ دليل عملي

الاختيار بين الحليب كامل الدسم والخالي من الدسم ليس قرارًا واحدًا يناسب الجميع، بل يعتمد على احتياجاتك الصحية الفردية ونمط حياتك.
لأهداف خفض الوزن: إذا كان هدفك الرئيسي هو خفض السعرات الحرارية أو تقليل الدهون في نظامك الغذائي، فإن الحليب الخالي من الدسم هو الخيار الأفضل.
للمرضى بأمراض القلب: يفضل استشارة الطبيب أو أخصائي التغذية قبل اتخاذ القرار، حيث قد ينصحون بتقليل الدهون بشكل عام في نظامهم الغذائي.
للحفاظ على الوزن: يمكن إدخال الحليب الكامل الدسم في نظام غذائي متوازن، بشرط تعويض الدهون المشبعة ببدائل صحية، مثل زيت الزيتون، والمكسرات، والأفوكادو، والأسماك.
للأطفال في مرحلة النمو: يُعد الحليب الكامل الدسم مهمًا لهم، حيث يحتاجون إلى الدهون الموجودة فيه لدعم النمو السليم وتطور الدماغ.
في النهاية، لا يوجد نوع "أفضل" بشكل مطلق. الأمر يتعلق بوضع الحليب في سياق نظامك الغذائي الكامل. فالمشكلة الحقيقية لا تكمن في الحليب نفسه، بل في السلوكيات الغذائية العامة التي قد تؤدي إلى الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالدهون غير الصحية والسعرات الحرارية الفارغة.

لقد أثبت العلم أن النظرة التقليدية للحليب كامل الدسم كانت مبسطة للغاية. فبينما يظل الحليب الخالي من الدسم خيارًا ممتازًا لمن يراقبون سعراتهم الحرارية، فإن الحليب الكامل الدسم ليس بالضرورة العدو الذي كان يُصوّر. يمكن لكلا النوعين أن يكونا جزءًا من نظام غذائي صحي ومتوازن، طالما كان الاستهلاك باعتدال، وكان الاختيار مبنيًا على فهم دقيق لاحتياجات الجسم وأسلوب الحياة.

All rights reserved. food today eg © 2022