في صحراء توشكى، حيث تمتد مزارع النخيل على آلاف الأفدنة، تنبثق مبادرة جديدة تمثل تحولًا جذريًا في النظرة إلى الموارد الزراعية، لأول مرة على مستوى العالم، يُقام مشروع صناعي ضخم يهدف إلى تحويل مخلفات النخيل—من جريد وسعف—إلى خشب صناعي MDF، ما يضع الزراعة المصرية في قلب الابتكار الصناعي الأخضر.
مخلفات النخيل
وأوضح علاء نصر الدين، الخبير الزراعي وعضو مجلس غرفة صناعة الأخشاب والأثاث، أن المشروع الذي يُقام على مساحة 400 ألف متر مربع في مدينة توشكى، يُعد الأول عالميًا في استخدام مخلفات النخيل كمدخل رئيسي في صناعة ألواح MDF، بقدرة إنتاجية تصل إلى 400 متر مكعب يوميًا.
وأشار إلى أن تلك الخطوة تمثل نقلة نوعية في استغلال القيمة الاقتصادية الكاملة لشجرة النخيل، التي لم تكن تُستثمر بشكل متكامل سابقًا.
وأضاف نصر الدين أن المشروع يفتح آفاقًا جديدة أمام المزارعين، إذ سيمنحهم فرصًا لتوريد الجريد والسعف بأسعار مناسبة، بدلًا من تركها تتحلل أو حرقها، ما يحد من الانبعاثات ويحافظ على البيئة، كما يُسهم المصنع في تقليل استيراد الأخشاب، وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي اعتمادًا على منتج محلي طبيعي ومستدام.
الاقتصاد الأخضر الزراعي
من جانبه، قال الدكتور سامح البدري، أستاذ الاقتصاد الزراعي وخبير التنمية الريفية، إن المشروع يمثل أحد أنجح النماذج التطبيقية لـ"الاقتصاد الأخضر الزراعي"، حيث يتم تحويل المخلفات إلى منتج صناعي عالي القيمة.
وأشار إلى أن مصر تنتج ملايين الأطنان من مخلفات النخيل سنويًا، لا يتم استغلال أكثر من 5% منها، مما يجعل المشروع بداية لتوجه قومي يمكن تعميمه في المحافظات الزراعية.
وأضاف البدري أن المشروع يُسهم في تعظيم العائد من وحدة الأرض الزراعية، ويشجع على التوسع في زراعة النخيل ليس فقط لأجل التمور، بل لتوفير مادة خام صناعية تخلق قيمة مضافة.
كما أكد على أهمية التكامل بين المزارعين والمصنع، من خلال عقود توريد عادلة تضمن استدامة الإمدادات وتحقيق دخل إضافي للفلاحين.
ويُنفذ المشروع بالشراكة مع شركة Dieffenbacher الألمانية، لضمان الاعتماد على أحدث تقنيات تصنيع الخشب الصناعي، بما يتيح إنتاج MDF بمواصفات تنافسية تسمح بتصديره للأسواق العالمية.
عن النخيل ومخلفاته
مصر من أكبر الدول المنتجة للنخيل عالميًا، ويُزرع في أكثر من 15 محافظة، خصوصًا الوادي الجديد وأسوان والواحات وسيناء، وتنتج هذه الأشجار كميات ضخمة من الجريد والسعف سنويًا، غالبًا ما يُحرق أو يُترك في الحقول.
والمشروع الجديد يمنح هذه الكتلة الحيوية دورًا جديدًا كمادة خام تُستخدم في الصناعة، دون أي تحميل على الغابات أو البيئة، ما يحقق مفهوم التنمية الزراعية المستدامة.