leftlogo

ستاربكس في مهب العاصفة: إغلاق 500 فرع وتسريح آلاف الموظفين

A A A
ستاربكس
ستاربكس
في خطوة صادمة تعكس عمق الأزمة التي تضرب قطاع المقاهي الأمريكي، أعلنت سلسلة ستاربكس العالمية عن أكبر عملية إعادة هيكلة لها منذ سنوات، تضمنت قراراً بإغلاق مئات الفروع وتسريح آلاف الموظفين في أمريكا الشمالية. هذه الإجراءات القاسية تأتي بعد تسجيل الشركة لـ ستة فصول متتالية من تراجع المبيعات، ما أثار قلقاً كبيراً في وول ستريت حول مستقبل عملاق القهوة.
ووفقاً لتقرير صادر عن صحيفة "فايننشيال تايمز"، من المتوقع أن ينخفض عدد فروع الشركة في أمريكا الشمالية من 18,734 إلى نحو 18,300 فرع بحلول نهاية الشهر، ما يعني إغلاق ما يقارب 500 موقع. هذا التراجع الكبير يمثل تحولاً جوهرياً في استراتيجية ستاربكس التي اعتادت لعقود على التوسع بلا توقف.

 
لم تقتصر الأزمة على الإغلاقات المادية للفروع، بل امتدت لتطال الهيكل الإداري للشركة. فقد أعلنت ستاربكس عن تسريح 900 موظف إداري، وهو ما يأتي بعد موجة سابقة من تسريح 1100 موظف في فبراير الماضي، ليصل إجمالي عدد المسرحين مؤخراً إلى حوالي 2000 موظف. كما اتخذت الشركة خطوة رمزية مؤلمة بإغلاق مقهى داخل مقرها الرئيسي في سياتل، في إشارة واضحة لضرورة خفض التكاليف.
إن التداعيات المالية لهذا القرار ثقيلة للغاية على ميزانية الشركة، إذ من المتوقع أن تتحمل ستاربكس تكلفة تصل إلى مليار دولار أمريكي. هذه التكلفة مرتبطة بالتعويضات التي ستُدفع للموظفين المسرحين، وإنهاء عقود الإيجار طويلة الأجل للفروع التي تم اتخاذ قرار بإغلاقها. وقد انعكست هذه الأزمة مباشرة على ثقة المستثمرين، حيث تراجعت قيمة أسهم الشركة بنحو 12% خلال العام الأخير.

لماذا يهرب العملاء؟ ارتفاع الأسعار وطول الانتظار



يشير تقرير "فايننشيال تايمز" إلى أن الأسباب الجذرية للأزمة تعود بالأساس إلى نقاط ضعف تشغيلية أثارت استياء العملاء وقلصت أداء المبيعات. وتشمل هذه الأسباب:
الأسعار المرتفعة: استمرار ستاربكس في رفع أسعار منتجاتها مقارنة بالمنافسين جعلها خياراً أقل جاذبية في ظل الضغوط الاقتصادية على المستهلكين.
طول فترة الانتظار: تفاقم مشكلة طوابير الانتظار الطويلة داخل الفروع، خاصة خلال ساعات الذروة، دفع بالعملاء إلى البحث عن بدائل أسرع وأكثر كفاءة في الخدمة.


إلى جانب المشاكل الداخلية، تواجه ستاربكس منافسة تزداد شراسة من سلاسل ناشئة تركز بقوة على نموذج "درايف-ثرو" (Drive-Thru) السريع، مثل Dutch Bros و 7 Brew. هذا التحول في سلوك المستهلك نحو السرعة والراحة يهدد نموذج ستاربكس التقليدي القائم على "تجربة الجلوس في المقهى". ورغم ذلك، لا تزال ستاربكس صاحبة الحصة الأكبر في السوق مقارنة بأقرب منافسيها، دانكن، الذي يمتلك نحو 10 آلاف فرع في الولايات المتحدة.
ولم تقتصر الأزمة على الجانب المالي والتنافسي؛ فقد واجهت الشركة أيضاً احتجاجات عمالية في سياتل على خلفية نزاع عمل داخلي، ما أضاف ضغطاً على إدارتها. يضاف إلى ذلك التحدي الخارجي المتمثل في تزايد حركة المقاطعة التي واجهتها السلسلة الشهيرة بعد اندلاع الحرب على غزة، ما فاقم من تراجع المبيعات العالمية والمحلية على حد سواء.


في محاولة للتخفيف من آثار هذه الإجراءات على العاملين، أعلنت إدارة الشركة عن عرض لنقل موظفي المقاهي المغلقة إلى فروع أخرى متاحة، أو تقديم حزم تعويضية مغرية للذين لن يجدوا فرصاً بديلة. ومع أن ستاربكس تعاني من معدل دوران وظيفي مرتفع يقارب 50% سنوياً، إلا أنها تواصل توظيف عشرات الآلاف من العاملين الجدد سنوياً.
وفي خضم هذه الأزمة، عبّر الرئيس التنفيذي برايان نيكول عن تفاؤل حذر، مؤكداً أن الشركة ستواصل افتتاح فروع جديدة وتشغيل المزيد من الموظفين في العام المالي المقبل كجزء من استراتيجية النمو المستقبلي. تترك هذه التصريحات تساؤلاً كبيراً: هل هذه الإجراءات الجذرية والتخفيف من الأعباء التشغيلية كافية لإنقاذ عملاقة القهوة وإعادتها إلى مسار النمو المعهود؟ أم أن ما يحدث هو إشارة لتحول جوهري وعميق في صناعة المقاهي الأمريكية يفرض نماذج عمل جديدة أكثر مرونة وسرعة؟
advertisement

All rights reserved. food today eg © 2022