" مساء الأربع، شعرت بالدفء يشع في البيت، شمت رائحة لذيذة، بدت وكأنها
تكثيف لرائحة نفس أمها الذي يغمرها كل صباح وهي تساعدها على ارتداء ملابس المدرسة.
تسللت إلى المطبخ، وجدت أمها تقطع قالب كيك بدقة شديدة، وترص القطع المتساوية في علبة
بلاستيكية شفافة. اقتربت منها واحتضنت خصرها، ناولتها أمها قطعة، كانت
اسفنجية بلون أصفر شهي، يتصاعد من جوفها البخار ويتراكم على أنفها الصغير فتبتسم. نبهت
عليها أمها بضرورة إعادة العلبة بعد انتهاء الحفل، لفتها في حقيبة ورقية ووضعتها على
المائدة"
الكاتبة نورا ناجي تتحدث عن الأكل
بتلك الكلمات عبرت الكاتبة الروائية نورا ناجي عن علاقة البطلة بخبيز
أمها ورائحته الشهية في مشهد دافيء بكتابها الجديد "مثل الأفلام
الساذجة" الذي يصدر عن دار الشروق بالتزامن مع معرض الكتاب الحالي، نورا تكتب عن
كل شيء بحب، حتى لو كانت الكتابة عن قطعة كيك هشة. ولكن ماذا لو فكرت نورا ناجي أن
تكبت عن أكثر أكلة نحبها وتضعف أمامها؟ وما هي تلك الأكلة التي مهما دخلت مطاعم
تضعف أمام رائحتها رغم بساطتها؟ وماذا تحب ابنتها فاطيمة أن تأكل من يدها؟ هل
لديها أكلة بعينها تحمسها إلى الكتابة وتجعل بالها أفضل ؟ Food Today عرفت من نورا
الأجابات وأكثر.
عشق البامية
في البداية أخبرتنا نورا أنها تميل إلى "الحادق" بقوة عن
الحلويات، فرغم نشأتها في دمياط بلد الحلويات كلها، إلا أن كل ما هو حادق يأثرها
وبشدة، أمام طبق "بامية" تضعف بلا أدني رغبة في المقاومة أيًا كان المكان الذي تجلس فيه. ما إن تهل
عليها بلونها الأخضر مختلطًا بالصلصة اللذيذة، فتأكل منها بحب كما لو لم تأكل من
الأمس تحبها كما يحب الصغار الحلوى، تحبها كما لو أن في الله لم يخلق في الأرض
سواها ومهما زاغت شهيتها لكل الاًصناف، يسكن القلب عند طاجن بامية بيتي مصنوع
بحب.
الحمام المحشي أكلة قومية

مقارنة بالبامية، فلم تستطع نورا رغم كل محاولات الأقناع بضرورة التجربة،
أن تحب أكلة الكوارع والفشة والممبار وكل ما يدور في فلك تلك الأكلة الشعبية
المعروفة، تخبرنا وهي تضحك "حاولت احبها بس مش راكبة مع السيستم عندي"،
حتى انها تمنت لو تُلغى من أكلات المصريين. ولما سألناها عن أكلة تود لو أن تعمم
على كل الناس غير البامية كأكلة قومية تمامً كالنشيد القومي قالت: "الحمام
المحشي رز أو فريك بلا منازع، أكلة مصرية بلا منازع .. أصل مين يحشي الحمام أحلى
مننا؟"
الجدة تصنع مهلبية اليوسفي
عند الجدات نتذوق كل ما هو حلو
وغريب من صنع أيديهن، ونورا أحبت من يد جدتها مهلبية اليوسفي، لم تفكر في غرابته
ولا من في الحي يعرفه مثلها، كان يكفيها أن الجدة تصنعه خصيصًا لهم وحدهم هي
واخوتها، تحكي نورا عن هذا الأكلة العظيمة
وتقول: "لم أتذوق في جماله من بعدها، لم أتناوله أصلًا ولا مرة من بعد رحيلها، أراها وهي تفرغ القشرة من الثمرة، لتصبح القشرة مفرغة على حالها دون أي قطع فيها
ودون ثقبها.. وتعصر الفصوص بيدها الجميلة فهي لم تكن تعترف بأي تكنولوجيا في
الأكل، وتضف إليه قطرات من عصير البرتقال ليزداد حلاوة على حلاوته، وكانت تحب "مية
الورد"، فتضف القليل منها على المهلبية اثناء طهيها بعد خلطهم جميعًا، كانت تعترف بمفعول الورد وسحره في أكلها، وصرت
أنها كذلك بعدها. وبعدما تصبح المهلبية في قوامها المناسب، تصبها داخل قشر اليوسفي،
فكنا حتى نأكلها بالقشرة من حلاوتها".
عن الساندوشات سأحكي كثيرًا

لما سألتها عن الأكلة التي تحب أن تكتب عنها ضحكت وقالت: "سأكتب عن
تاريخ الساندوشات في حياتي، بداية من ساندوتش الجبنة البيضاء في طفولتي بالمدرسة،
وذلك الآخر المحشو مربى، كلاهما ينقبض لهما قلبي حين أسمع سيرتهما ولو من بعيد، يرتبطان
في ذاكرتي بمدرسة لم أكن احبها يومًا، مرورًا بساندوشات البانيه في الجامعة،
وصولًا لسندوشات أبنتي وحيرتي معها لتكن ساندوتشاتها كلها أحلى من
ساندوتشاتي".
أحلى قطعة لحم دمياطي
البيض بالعجوة واحدة من الأكلات التي تحبها نورا فقط لأن والدها يحبها.
تأكلها من يده لأن أحلى من يعدها في البيت.
ولأن نورا من طنطا فهي تعشق كل مطاعم وأكلات طنطا، ولا تحب أمامها مطاعم
القاهرة، "لا يعلى فوق أكل طنطا يكفي أن تأكلي موزة أم محمد من مطعمها
الشهير هنا، أحلى قطعة لحم ضاني ممكن تاكليها في حياتك" هكذا أجباتني بخفة
حين تحدثنا عن مطاعم القاهرة وطنطا.
نورا تحب أغلب الأكلات وتجيد طبخها، لكنها اخبرتنا عن واحد من اسرارها في
المطبخ، فواحد من أحلى الأطباق التي تحبها، طاجن "الملوخية"، ومع
الطريقة العادية التي يعرفها أغلبنا، إلا أنها تضيف "رشة" سكر على الطشة
ليصبح قوامها "مكرمل" وتأكل حسب وصفتها ألذ ملوخية بطعمها المسكر.
فاطيمة والكريم كراميل
نورا التي تحتفل هذه الأيام بصدور كتابها الخامس "مثل الأفلام
الساذجة"، بعد "بانا"، "الجدار"، "بنات الباشا"
و "الكاتبات والوحدة"، ورواية "أطياف كاميليا" سنة 2019.. لأ
تأكل وهي تكتب، لا تأكل حتى قبل أن تكتب، تحب أن تلقي أوراقها وهي خفيفة، لا
يزعجها الجوع مهما حل عليها ضيفًا مزعجًا، الكتابة لها متعة وكذلك الأكل، لكل منهما
وقته.. وما تنهي ما تكتبه تكافئ نفسها على الفور ببيتزا كاملة، تلتهما بحب، تمامًا
كما تلتهم كتاب ملهم تقرأه.
صحيح نورا لا تحب الحلويات، لكن مع ابنتها فطيمة، تصنع لها كل ما تحب
وتطلب، وأمام الكريم كراميل الذي تعلمت أن تصنعه من أجلها، أصبحا يتشاركان فيه
ويأكلان منه سويًا.
