زراعة النخيل تعتبر من أكثر الأشجار أهمية في
تاريخ الإنسان المصري القديم، و
البلح كان الغذاء المفضل لبناة الأهرامات، فكان
المصريون القدماء يهتمون بتوزيع البلح أثناء زيارتهم لقبور موتاهم، وكانوا يقدمون
البلح بجانب أطعمة مختلفة مثل الكحك والفطائر والجوافة.
في العصور البدائية، اكتشف الإنسان أن ثمار
النخيل والبلح تعتبر مصدرًا مهمًا للغذاء وتحتوي على العديد من العناصر الغذائية
الأساسية مثل الكربوهيدرات، البروتينات، الألياف، الفيتامينات والمعادن، ومنذ ذلك
الحين، قام الإنسان بتطوير تقنيات زراعة النخيل وتعميق معرفته بفوائدها الغذائية
المهمة.
ويُشار إلى أن البلح الذي وجد في مقابر الفراعنة دليل على أهمية هذا الغذاء
بالنسبة للمصريين القدماء، وقد استخدم البلح في الحفاظ على الصحة ومكافحة المجاعات في أوقات
الشح الغذائي، ويعد طقوس الطعام في مصر جزءًا من احتفالات الحياة ومن مصادر التواصل
بين الناس وبين ماضيهم العريق.
يوجد العديد من أشجار النخيل المزروعة في مصر،
والعديد منها ينمو بشكل عشوائي نتيجة لنشاط الإنسان والطيور، النخيل
هو شجرة مباركة ومتواجدة منذ زمن بعيد، حيث يتميز بجذعه الكبير وأوراقه الريشية
الجميلة، ويحمل النخل ثمار البلح التي تتحول من اللون الأخضر إلى الأصفر أو
الأحمر عندما تنضج.
البلح يعد الغذاء المفضل للشعب المصري، وكلمة
"أمهات" التي تشير إلى البلح الرطب، تعود إلى الكلمة المصرية القديمة
"أمت"، وتم العثور على كميات كبيرة من البلح والعجوة في مقابر المصريين
القدماء، وكان المصريون القدماء يتناولون البلح طازجًا ومجففًا، وكانوا
يستخدمون البلح في صنع العجوة وتحضير بعض أنواع الكعك.
تعود كلمة "بلح" إلى اللغة القبطية
القديمة، وتعني التمر، وتُستخدم كلمة "بلح" في الدارجة المصرية الحديثة للإشارة
إلى التمر الناضج، بينما تستخدم كلمة "بلحة" للإشارة إلى التمر الأخضر
وغير الناضج.
تستخدم كلمة "بلح الشام" للإشارة إلى
حلى مصنوعة من التمر بشكل أصابع، وقد غنى المصريون عن البلح في أغانيهم، واستخدم البلح في الطب
الشعبي وفي صنع الحلي والقلادات.
التمر يعد من أهم الأطعمة التي استخدمها
المصريون القدماء، واستخدموا جذوع النخيل في بناء منازلهم ومقابرهم المصنوعة من اللبن،
وعندما انتقلوا لاستخدام الحجر في البناء، لم ينسوا النخيل واستمروا في زراعته، ويوجد
عدة أصناف من ثمار النخيل في مصر مثل "الأبريمي والسيوي والعامري".
يعتبر البلح أيضًا هدية قديمة يقدمها الناس
لبعضهم البعض، وقد تم العثور على نواة البلح داخل المقابر المصرية القديمة، البلح
يمتاز بفوائد غذائية هامة وكان الرسول ينصح بتناول سبع تمرات يوميًا، كما يحافظ
البلح على الصحة ويقاوم السحر.
وقد اعتبر البلح من الثمار الفاخرة في العصور القديمة وغالبًا ما أهدى
للملوك والأثرياء، وتحوّل استهلاك البلح منتشرًا في أوروبا بعد غزو العرب للقارة؛ حيث
تعلّم العرب من خبراء زراعة البلح في آسيا وأفريقيا طرق زراعته واستخراجه.
بالإضافة إلى فوائده الغذائية، يستخدم النخيل
في العديد من الصناعات الحرفية في مصر، مثل صناعة الجريد والسلال، كما يستخدم
النواة في الأدوية، ويتم صنع الحلي والقلادات من البلح للاحتفال ومشاركتها بين
النساء والفتيات، ولا يزال هذه الصناعات مستمرة حتى يومنا هذا، حيث يتم نقلها من جيل
إلى جيل.
في العصور الحديثة، شهدت زراعة وتجارة النخيل
والبلح تطورًا مذهلًا، وأدى التحسينات التقنية في الزراعة إلى زيادة إنتاجية
الأشجار وتوسيع نطاق زراعتها في مناطق قليلة من العالم، ومع أهمية النخيل والبلح
الاقتصادية والغذائية، أصبحت هناك حاجة متزايدة للحفاظ على تراثها وضمان استمرار
وجودها في المستقبل.
إن تاريخ أشجار النخيل والبلح ينسج قصةً شيقةً
عن ثقافة الشعوب واعتمادها على الطبيعة وأهميتها في تطور الحضارة، إنها
قصة عن استغلال الإنسان لمؤهلات الطبيعة واستفادته منها لتلبية حاجاته، ورغم تطور
التقنية والعلوم الحديثة، فإن تاريخ هاتين الشجرتين لا يزال يبقينا على ارتباط قوي
مع أصولنا الطبيعية وأصالتنا التاريخية.
أقرأ أيضًا|
"رحلة الذوق والتراث".. قصة الفطير المشلتت من مصر القديمة إلى العصر الحديث